فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} أي لا تنتقمون ولا ينصر بعضهم بعضًا، يقوله خزنة النار للكفار، وهذا جواب أبي جهل حين قال يوم بدر: نحن جميع منتصر.
قال الله سبحانه وتعالى: {بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} قال ابن عباس: خاضعون. الحسن: منقادون. الأخفش: ملقون بأيديهم، وقال أهل المعاني: مسترسلون لما لا يستطيعون له دفعًا ولا منه امتناعًا كحال الطالب السلامة في نزل المنازعة.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} يعني: الرؤساء والأتباع {يَتَسَاءَلُونَ} يتخاصمون.
{قالوا} يعني: الأتباع للرؤساء: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} أي من قِبَل اليمين فتضلوننا عنه، قاله الضحاك، وقال مجاهد: عن الصراط الحق: وقال أهل المعاني: أي من جهة النصيحة والبركة والعمل الذي يتيمن به، والعرب تتيمن بما جاء عن اليمين، وقال بعضهم: أي عن القوة والقدرة كقول الشماح.
إذا ماراية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين

أي بالقوة وغرابة اسم ملك اليمن.
{قَالُواْ} يعني: الرؤساء {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا} وعليكم {قَوْلُ رَبِّنَآ} يعنون قوله سبحانه: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13].
{إِنَّا} جميعًا {لَذَآئِقُونَ} العذاب.
{فَأَغْوَيْنَاكُمْ} فأضللناكم لأنا كنّا {غَاوِينَ} ضالين، قال الله سبحانه: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين إِنَّهُمْ كانوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لتاركوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} يعني النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.
قال الله سبحانه ردًا عليهم: {بَلْ جَاءَ بالحق وَصَدَّقَ المرسلين إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو العذاب الأليم وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ} يعني: بكرة وعشية، كقوله: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62].
{فَوَاكِهُ} جمع الفاكهة، وهي كلّ طعام يُؤكل للتلذذ لا للقوت الذي يحفظ الصحة، يُقال: فلان يتفكّه بهذا الطعام، {وَهُم مُّكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النعيم على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ} إناء فيه شراب، ولا يكون كأسًا حتى يكون فيه شراب، وإلاّ فهو إناء، قال الأخفش: كل كأس في القرآن فهو خمر {مِّن مَّعِينٍ} خمر جارية في أنهار طاهرة العيون، ويجوز أن يكون فعيلًا من المعن وهو الإسراع والشدة من أمعن في الأمر إذا اشتدّ دخوله فيه. يعني: خمرًا شديدة الجري سريعته.
{بَيْضَاءَ} أي صافية في نهاية اللطافة و{لَذَّةٍ} لذيذة {لِّلشَّارِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ} أي إثم عن الكلبي، نظيره {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} [الطور: 23]. قتادة: وجع البطن. الحسن: صداع. مجاهد: داء. ابن كيسان: مغص. الشعبي: لا تغتال عقولهم فتُذهب بها، وقال أهل المعاني: الغول: فساد يلحق في خفاء، يُقال: اغتاله اغتيالًا إذا فسد عليه أمره في خفية، ومنه الغول والغيلة وهو القتل خفية.
{وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} قرأ حمزة والكسائي وخلف: بكسر الزاي هاهنا وفي سورة الواقعة، وافقهم عاصم في الواقعة. الباقون بفتح الزاي فيهما. فمن فتح الزاي، فمعناه: لا تغلبهم على عقولهم ولا يسكرون، يقال: نزف الرجل فهو منزوف ونزيف، إذا سكر وزال عقله، قال الشاعر:
فلثمتُ فاها آخذًا بقرونها ** شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

أي السكران، ومن كسر الزاي فمعناه: لا ينفد شرابهم. يُقال: أنزف الرجل فهو منزوف إذا فنيت خمره.
قال الحطيئة:
لعمري لئن أنزفتمُ أو صحوتمُ ** لبئس الندامى كنتمُ آل أبجرا

{وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف} حابسات الأعين، غاضّات الجفون، قصرن أعينهن عن غير أزواجهن، فلا ينظرن إلاّ إلى أزواجهنّ {عِينٌ} نجل العيون حسانها، واحدتها: عيناء، يُقال: رجل أعين وامرأة عيناء ورجال ونساء عين.
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ} جمع البيضة {مَّكْنُونٌ} مستور مصون. قال الحسن وابن زيد شبههن ببيض النعامة تكنها بالريش من الريح والغبار، وقيل: شبههن ببطن البيض قبل أن يُقشر، وهو معنى قول ابن عباس، وإنما ذكّر المكنون والبيض جمع؛ لأنه ردّه إلى اللفظ.
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} في الجنة.
{قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} في الدنيا. قال مجاهد: كان شيطانًا، وقال آخرون: كان من الإنس. قال مقاتل: كانا أخوين، وقال الباقون كانا شريكين: أحدهما فطروس وهو الكافر، والآخر يهوذا وهو المؤمن، وهما اللذان قصّ الله حديثهما في سورة الكهف.
{يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ المصدقين} بالبعث؟ {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} مجزيون ومحاسبون ومملوكون {قَالَ} الله سبحانه لأهل الجنة: {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} إلى النار؟ أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال: حدّثنا أحمد ابن يزيد المقرئ عن جلاد عن الحكم بن طاهر، عن السدي، عن أبي ملك عن ابن عباس أنه قرأ {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ فاطلع} بخفضهما وبكسر اللام، قال: رافعون فرفع، قال ابن عباس: وذلك أنّ في الجنة كوىً فينظر أهلها منها إلى النار وأهلها.
{فاطلع} هذا المؤمن {فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الجحيم} فرأى قرينه في وسط النار.
{قَالَ تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} ما أردت إلاّ أن تهلكوا وأصله من التردّي.
{وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي} عصمته ورحمته {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} معك في النار.
{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} فتقول لهم الملائكة: لا، وقيل: إنما يقولونه على جهة الحديث بنعمة الله سبحانه عليهم في أنّهم لا يموتون ولا يعذّبون، وقيل: يقوله المؤمن على جهة التوبيخ لقرينه بما كان ينكره.
{إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون}.
{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا} رزقًا {أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} والزقوم ثمرة شجرة كريهة الطّعم جدًا، من قولهم: يزقم هذا الطعام، إذا تناوله على كره ومشقة شديدة.
{إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ} للكافرين، وذلك أنهم قالوا: كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر؟ وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش: إنّ محمدًا يخوفنا بالزقوم وإنّ الزقوم بلسان بربر وأفريقية الزبد والتمر، فأدخلهم أبو جهل بيته وقال: يا جارية زقّمينا. فأتتهم بالزبد والتمر، فقال: تزقّموا فهذا ما يوعدكم به محمد، فقال الله سبحانه: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم} قعر النار. قال الحسن: أصلها في قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
{طَلْعُهَا} ثمرها، سمّي طلعها لطلوعه {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} قال بعضهم: هم الشياطين بأعيانهم، شبهّه بها لقبحه؛ لأن الناس إذا وصفوا شيئًا بعاهة القبح قالوا: كأنه شياطين، وإن كانت الشياطين لا تُرى؛ لأن قبح صورتها متصوّر في النفس، وهذا معنى قول ابن عباس والقرظي، وقال بعضهم: أراد بالشياطين الحيّات، والعرب تُسمي الحية القبيحة الخفيفة الجسم شيطانًا، قال الشاعر:
تلاعب مثنى حضرمّي كأنه ** تعمج شيطان بذي خروع قفر

وقال الراجز:
عنجرد تحلف حين أحلف ** كمثل شيطان الحماط أعرف

والأعرف: الذي له عرق، وقيل: هي شجرة قبيحة خشنة مرة منتنة، تنبت في البادية تسميها العرب رؤوس الشياطين.
{فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} والملء: حشو الوعاء بما لا يحتمل زيادة عليه، {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا} خلطًا ومزاجًا، وقال مقاتل: شرابًا {مِنْ حَمِيمٍ} ماء حار شديد الحرارة، {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} ثم بمعنى قبل، مجازه: وقبل ذلك مرجعهم لإلى الجحيم، كقول الشاعر:
إنّ من ساد ثم ساد أبوه ** ثم قد ساد قبل ذلك جده

أي قبل ذلك ساد أبوه، ويجوز أن تكون بمعنى الواو.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو علي المقري قال: حدّثني علي بن الحسن بن سعد الهمداني قال: حدّثنا عباس بن يزيد بن أبي حبيب قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا سفيان عن ميسرة عن المنهال عن أبي عبيدة عن عبد الله أنه قرأ {ثم إنّ مقتلهم لإلى الجحيم}.
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ} وجدوا {آبَاءَهُمْ ضَآلِّينَ فَهُمْ على آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} يسرعون.
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ} مرسلين {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} نظيره: {وَنُوحًا إِذْ نادى مِن قَبْلُ} [الأنبياء: 76]، وهو قوله: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر} [القمر: 10].
{فَلَنِعْمَ المجيبون} على التعظيم، {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم} وهو الغرق، {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدّثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: حدّثنا بندار قال: حدّثنا محمد بن خالد بن غيمة قال: حدّثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} قال:
«سام وحام ويافث».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا محمد بن عمران بن هارون قال: حدّثنا أبو عبد الله المخزومي قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب قال: كان وُلْد نوح ثلاثة: سام وحام ويافث، فسام أبو العرب وفارس وروم، وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب، ويافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج وما هنالك.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا مخلد بن جعفر الباقرحى قال: حدّثنا الحسن بن علوية قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا إسحاق بن بشر قال: أخبرنا جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما خرج نوح عليه السلام من السفينة مات مَن معه من الرجال والنساء إلاّ ولده ونساءهم، فذلك قوله: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين}.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} أي لقينا له ثناء حسنًا وذكرًا جميلًا فيمن بعده من الأنبياء والأُمم.
{سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين}. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الصافات:
مكية.
وهي مائة وإحدى وثمانون آية، وقيل: واثنتان وثمانون.
نزلت بعد الأنعام.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة الصافات: الآيات 1- 5]:

{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (5)}.
أقسم اللّه سبحانه بطوائف الملائكة أو بنفوسهم الصافات أقدامها في الصلاة، من قوله تعالى {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} أو أجنحتها في الهواء واقفة منتظرة لأمر اللّه فَالزَّاجِراتِ السحاب سوقا فَالتَّالِياتِ لكلام اللّه من الكتب المنزلة وغيرها. وقيل الصافات الطير، من قوله تعالى {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ}.
والزاجرات: كل ما زجر عن معاصى اللّه.
والتاليات: كل من تلا كتاب اللّه. ويجوز أن يقسم بنفوس العلماء العمال الصافات أقدامها في التهجد وسائر الصلوات وصفوف الجماعات، فالزاجرات بالمواعظ والنصائح، فالتاليات آيات اللّه والدارسات شرائعه. أو بنفوس قواد الغزاة في سبيل اللّه التي تصف الصفوف وتزجر الخيل للجهاد، وتتلو الذكر مع ذلك لا تشغلها عنه تلك الشواغل، كما يحكى عن علىّ بن أبى طالب رضى اللّه عنه. فإن قلت: ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات؟ قلت: إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود، كقوله:
يا لهف زيّابة للحرث ** الصّابح فالغانم فالآيب

كأنه قيل: الذي صبح فغنم فآب. وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه، كقولك: خذ الأفضل فالأكمل، واعمل الأحسن فالأجمل. وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك، كقوله:
رحم اللّه المحلقين فالمقصرين، فعلى هذه القوانين الثلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصفات.
فإن قلت: فعلى أي هذه القوانين هي فيما أنت بصدده؟ قلت: إن وحدت الموصوف كانت للدلالة على ترتب الصفات في التفاضل، وإن ثلثته، فهي للدلالة على ترتب الموصوفات فيه، بيان ذلك: أنك إذا أجريت هذه الأوصاف على الملائكة وجعلتهم جامعين لها، فعطفها بالفاء يفيد ترتبا لها في الفضل: إما إن يكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة، وإما على العكس، وكذلك إن أردت العلماء وقواد الغزاة. وإن أجريت الصفة الأولى على طوائف والثانية والثالثة على أخر، فقد أفادت ترتب الموصوفات في الفضل، أعنى أن الطوائف الصافات ذوات فضل والزاجرات أفضل، والتاليات أبهر فضلا، أو على العكس، وكذلك إذا أردت بالصافات الطير، وبالزاجرات: كل ما يزجر عن معصية. وبالتاليات: كل نفس تتلو الذكر، فإن الموصوفات مختلفة. وقرئ بإدغام التاء في الصاد والزاى والذال رَبُّ السَّماواتِ خبر بعد خبر. أو خبر مبتدإ محذوف. والْمَشارِقِ ثلاثمائة وستون مشرقا، وكذلك المغارب: تشرق الشمس كل يوم في مشرق منها وتغرب في مغرب، ولا تطلع ولا تغرب في واحد يومين.
فإن قلت: فما ذا أراد بقوله رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ؟ قلت: أراد مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما.

.[سورة الصافات: الآيات 6- 7]:

{إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (7)}.
الدُّنْيا القربى منكم. والزينة: مصدر كالنسبة، واسم لما يزان به الشيء، كالليقة اسم لما تلاق به الدواة، ويحتملهما قوله بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ فإن أردت المصدر، فعلى إضافته إلى الفاعل، أي: بأن زانتها الكواكب، وأصله: بزينة الكواكب: أو على إضافته إلى المفعول، أي: بأن زان اللّه الكواكب وحسنها، لأنها إنما زينت السماء لحسنها في أنفسها، وأصله بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وهي قراءة أبى بكر والأعمش وابن وثاب، وإن أردت الاسم فللإضافة وجهان:
أن تقع الكواكب بيانا للزينة، لأن الزينة مبهمة في الكواكب وغيرها مما يزان به، وأن يراد ما زينت به الكواكب. وجاء عن ابن عباس رضى اللّه عنهما: بزينة الكواكب: بضوء الكواكب: ويجوز أن يراد أشكالها المختلفة، كشكل الثريا وبنات نعش والجوزاء، وغير ذلك، ومطالعها ومسايرها. وقرئ على هذا المعنى: {بزينة الكواكب} بتنوين زينة وجر الكواكب على الإبدال. ويجوز في نصب الكواكب: أن يكون بدلا من محل بزينة وَحِفْظًا مما حمل على المعنى لأنّ المعنى: إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا من الشياطين، كما قال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُومًا لِلشَّياطِينِ} ويجوز أن يقدر الفعل المعلل، كأنه قيل: وحفظا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ زيناها بالكواكب، وقيل: وحفظناها حفظا.
والمارد: الخارج من الطاعة المتملس منها.